كانت تنظر نحو الأرض المبللة بقطرات المطر التي تتساقط بينما تغض الخطى على غير هدا عقلها بدا فارغا إلا من صورة تلك المرأة التي كانوا يتضاحكون عليها صغارا بينما جدتها تروي لامها إخبارها.. ورغم إن الجدة كانت تتكلم عنها بلغة الأسى والشفقة لحالها إلا إن ذلك لم يكن يمنعها وإخوتها من الضحك أو تقليد شكلها حين تجلس ساهمة محدقة نحو الأرض بعيون جامدة واضعتا سبابة يدها على خدها مازال وجهها مطبوعا في ذاكرتها منذ إن كانت جدتها تصطحبها صغيرة لتزورهم أو لتخيط ثوبا عند أختها التي تمتهن الخياطة.. كان وجهها بشوشا يمتلأ باللطف والوداعة ترحب بقدومهم بفرح .. وما إن تأخذ النسوة بتجاذب إطراف الحديث حتى تشرد ببصرها بعيدا عنهم حتى يحين موعد المغادرة فيبش وجهها من جديد وهي تودعهم.. لماذا تتذكرها ألان وفي رأسها تتصارع ألاف الأفكار تكاد مشاعر الغضب المكبوت إن تقفز من عينيها بينما راح بعض المارة يحدقون فيها.. هل صارت مثل مجنونة تهيم على وجهها في الشوارع ؟؟! يقال إن تلك المرأة تصاب بنوبات جنون تمزق فيها الأوراق وتنثرها في إرجاء البيت لترتدي بعدها عباءتها وتخرج لتذرع الشوارع على غير هدى.. تحملها قدميها إلى ابعد نقطة تستطيع الوصول إليها وتقفل عائدة مرة أخرى لتدخل في شرودها حتى موعد النوبة القادمة تتذكر عندما كانت تحدق في وجهها الباسم تبحث عن جنونها الذي تسمع عنه وحين تلاطفها بعبارات قليلة تجد في وجهها جمالا وطيبة لايستطيع الآخرين إدراكها.. ومع ذلك تبقى تدور في إرجاء بيتها تبحث عن بقايا الأوراق التي مزقتها ونثرتها فلا تجد في ذلك البيت النظيف المرتب لدرجة يصعب التصديق إن فيه ورقة واحده, غير بلاط أملس لامع بارد عندما رفعت رأسها كان احدهم يحدق فيها باستغراب بينما هي تتجه نحوه دون إن تنتبه إلى خطواتها .. شعرت بالخجل من نظراته التي تشي بدواخله التي تتساءل عن جنونها فراحت تنظر إلى الإمام لتبدو طبيعية أكثر بينما يدور في رأسها سؤال عن السبب الذي يجعل ذلك الهدوء الجميل والوداعة تنقلب جنونا وهي لم تر لها زوجا .. يقال أنها تركته أو ربما تركها بعد إن أصابها بالجنون .. راحت الأفكار تأخذها في كل اتجاه بينما تأخذها قدميها بلا وعي نحو البيت.. فتحت الباب وتحررت من عباءتها بينما راحت تحدق في صورة وجهها في المرآة المقابلة للمدخل وما أشبهها بتلك المرأة الهادئة الساهمة المحدقة نحو اللا شيء .. بينما تتفجر أعماقها براكين غضب ونفور .. ترى ما الذي كان يعتمل في نفس تلك المرأة وأي أفكار كانت في رأسها تدور ؟! .. لم تشغل نفسها كثيرا بجواب السؤال وربما لم يعد مهما إن تعرف, المهم إن تجمع الأشياء التي بعثرتها أو كسّرتها أو مزقتها قبل إن تخرج من البيت تذرع الشوارع على غير هدى....